ما وراء الأرض "عوالم المحيطات"



نعتبر نحن سكان الأرض محظوظين جداً بالعيش على كوكب غني بالمياه، وبموقع استراتيجي بمسافة مثالية عن الشمس، عدا عن وجود المجالات المغناطيسية المحيطة بالكوكب للحفاظ على غلافنا الجوي سليم من الإشعاعات المؤذية والظروف الجوية في الفضاء.

ساهمت الأبحاث الجديدة مؤخراً في معرفتنا بأن الحياة يمكن أن تستمر حتى في أقسى البيئات هنا على الأرض، وهذا يعطينا الأمل في إيجاد حياة مزدهرة في عوالم أخرى. وفي حين أننا لم نستطع بعد إيجاد حياة خارج الأرض، فإننا متفائلون بالاحتمالات، ولا سيما في عوالم المحيطات الأخرى هنا في نظامنا الشمسي.

إذاً ... ما هي الأخبار؟

قدمت اثنتان من البعثات المخضرمة لدى وكالة ناسا تفاصيل جديدة محيرة حول الأقمار الجليدية الحاوية للمحيطات من كوكبي المشتري وزحل، والتي من شأنها زيادة وتعزيز الاهتمامات العلمية بهذه الأقمار وغيرها من "عوالم المحيطات" في نظامنا الشمسي وخارجه.

وأعلن علماء بعثة كاسيني Cassini عن وجود شكل من أشكال الطاقة الازم للحياة في قمر زحل إنسيلادوس Enceladus، كما وقدم باحثو هابل Hubble أدلة إضافية على الأعمدة المتفجرة من سطح قمر كوكب المشتري يوروبا Europa.

البعثتان: كاسيني وهابل

بعثة كاسيني
وجدت المركبة الفضائية كاسيني أن الفوهات الحرارية المائية (الهيدروحرارية) Hydrothermal Vents في المحيط في قمر زحل الجليدي إنسيلادوس تُنتج غاز الهيدروجين، والذي يمكن أن يوفر مصدراً للطاقة الكيميائية اللازمة للحياة.

زحل الجليدي إنسيلادوس

واكتشفت كاسيني أن هذا القمر الصغير في زحل كان نشطاً في عام 2005. كما وفاجأت العالم باكتشافها بأن إنسيلادوس يحتوي على تدفقات من الغاز والجسيمات الجليدية قادمة من المنطقة القطبية الجنوبية. وأفاد العلماء في وقت لاحق أن هذه الأعمدة من المواد قادمة من المحيط العام تحت القشرة الجليدية، من خلال صدوع أو فتحات كبيرة تعرف باسم "شرائط النمر" Tiger Stripes.

النشاط الهيدروحراري في قمر إنسيلادوس

توصل العلماء في وكالة ناسا إلى المزيد من الأدلة الآن، على النشاط الهيدروحراري في قمر إنسيلادوس واُخذت هذه المرة عينات مباشرة من العمود نفسه، أدت إلى معرفتهم بأن المياه تتفاعل كيميائياً مع الصخور تحت المحيط وتنتج نوعاً من المواد الكيميائية التي يمكن استخدامها من قبل الميكروبات، على افتراض وجود الميكروبات أصلاً.

إنسيلادوس

ويعد هذا الاكتشاف على رأس قائمة اكتشافات البعثة كما ويعد تتويجاً لمدى 12 عام من عمليات الرصد لمركبة كاسيني. فنحن نعلم الآن أن قمر إنسيلادوس لديه ما يقارب جميع المكونات اللازمة للحياة.

وقامت كاسيني بأعمق اختراق لها للعمود في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2015

وقامت كاسيني بأعمق اختراق لها للعمود في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2015 عن طريق تحليقاتها السابقة، وأفادت كاسيني أن ما يقارب 98٪ من الغاز في العمود مكون من المياه، وما تبقى مكونات عبارة عن مزيج من جزيئات أخرى، بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون والميثان والأمونيا.

إنسيلادوس


كما قدمت كاسيني من خلال معدات أخرى، دليلاً على النشاط الهيدروحراري في المحيط. وما أراد العلماء معرفته حقاً ... هل يتم فعلا إنتاج الهيدروجين الذي يمكن أن تستخدمه الميكروبات لإنتاج الطاقة؟ وهذا بالضبط ما وجدوه!
ولكي يكونوا واضحين، لم يصرح العلماء بأي اكتشاف يتعلق بوجود ميكروبات في إنسيلادوس، ولكن الفتحات من هذا النوع على الأرض تحتوي على هذه الأنواع من الحياة. وأعرب العلماء عن حماسهم الحَذر إزاء احتمالية وجود شيء من هذا القبيل في إنسيلادوس أيضا!

بعثة هابل

يقوم تلسكوب هابل الفضائي Hubble Space Telescope أيضا بدراسة واحد من "عوالم المحيطات" الأخرى في نظامنا الشمسي: ألا وهو القمر يوروبا!

قمر يوروبا

يعد قمر يوروبا واحداً من الأقمار الأربعة الرئيسية للمشتري، ويتراوح حجمه بمقدار حجم قمر الأرض، ولكنهما مختلفان جداً في المظهر. فهو عالمٌ بارد، جليدي مع سطح أملس وساطع نسبياً تتقاطع فيه شقوق داكنة وبقع من مواد محمرة.

قمر يوروبا

وما جعل قمر يوروبا مثيراً للاهتمام هو الاعتقاد باحتوائه على محيط شامل، تحت قشرة سميكة من الجليد. وفي الحقيقة، يحتوي يوروبا على كمية من المياه تعادل ضعفي الكمية الموجودة فوق الأرض.

أعمدة مياه متقطعة على سطح يوروبا

وفي عام 2014، كُشفت أدلة تثبت وجود أعمدة مياه متقطعة على سطح يوروبا، وهو أمر مثير للاهتمام لأنها قد توفر فرصة سهلة للوصول إلى المياه السائلة تحت السطح دون الحاجة إلى الحفر داخل أميالٍ من الجليد.

يوروبا

و في عام 2016، عُثر على واحد من الأعمدة يرشح بأن يكون قد ظهر في نفس الموقع الذي تمت مشاهدته فيه عام 2014. وهذا أمر مثير حقاً، لأنه في حال قيام العلماء بإثبات تكرار ظهور ميزة معينة، فمن المرجح بأن تكون حقيقية، وهذا من شأنه أيضاً أن تمكنهم من الدراسة وفهم العمليات التي تسبب نشاطه أو إيقاف نشاطه.

و يتزامن حدوث هذا العمود مع وجود منطقة دافئة بشكل غير عادي في يوروبا بالمقارنة مع التضاريس المحيطة بها. ويتراوح ارتفاع العمود ما بين 50 إلى 100 كيلومتر(30 و 60 ميلاً) ويتمتع بموقع جيد للرصد، في موقع استوائي نسبياً ومحدد بشكل جيد.

ماذا يعني كل هذا، وماذا بعد؟
تعتبر بعثات هابل وكاسيني بعثات مختلفة بطبيعتها، ولكن اكتشافاتهم العلمية المتكاملة، تقف جنباً إلى جنب مع التعاون بين البعثات الحالية والمخطط لها، والتي ستساعدنا في معرفة ما إذا كنا الوحيدين في الكون.

وسيستمر هابل بمراقبة يوروبا. فإذا كنت تتساءل عن كيفية قدرتنا في الحصول على مزيد من المعلومات حول عمود يوروبا، فإن بعثة يوروبا كليبرEuropa Clipper القادمة تحمل مجموعة من 9 معدات للتحقيق في ما إذا كان القمر الجليدي الغامض بإمكانه إيواء الظروف المواتية للحياة. ومن المقرر إطلاق يوروبا كليبر في عشرينيات القرن الحالي.

يوروبا

وستكون هذه البعثة المستقبلية قادرة على دراسة سطح يوروبا بقدر كبير من التفصيل وتقييم قابلية هذا القمر للحياة. وسيكون السؤال لهذه المهمة في المستقبل ما إذا كان هناك حياة أم لا!


المصدر