براهين جديدة على النظرية النسبية العامة





تنبأ ألبرت آينشتاين Albert Einstein بأنّ الضوء القادم من نجم بعيد عندما يمرّ بجانب جسم قريب، فإنه يتأثر بجاذبية هذا الجسم التي تؤثر في الضوء كما لو كانت عدسة مكبرة؛ إذ إنها تثني الضوء وتزيده سطوعا. وعلى الرغم من ذلك، فإن آينشتاين قال في مقال نشر في مجلة Science عام 1936:" لأن النجوم بعيدة جداً عن بعضها البعض، فليس هنالك أمل لرصد هذه الظاهرة بشكل مباشر."

أما اليوم، فقد تمكّن فريق من الباحثين الدوليين بقيادة كايلاش ساهو Kailash C. Sahu من تحقيق ذلك، ونشرت التفاصيل في عدد 9 حزيران/يونيو 2017 من مجلة Science، لتكون هذه الدراسة هي أوّل تقرير عن نوع معين من التعديس الميكروي الثقالي gravitational microlensing الذي تحدث عنه آينشتاين، لنجم آخر غير الشمس. 

 يوضح هذا الرسم كيف يمكن لجاذبية القزم الأبيض أن تشوّه المكان وأن تحني ضوء نجم بعيد خلفه.    حقوق الصورة: (NASA, ESA, and A. Feild (STScI

يقول تيري أوزوولت Terry Oswalt من جامعة إمبري ريدل للطيران Embry-Riddle Aeronautical University في أطروحة أخرى في Science عنوانها "هدية الذكرى المئة من آينشتاين" A centennial gift from Einstein: "إن هذا الاكتشاف يفتح نافذة جديدة لفهم تاريخ وتطور المجرات الشبيهة بمجرتنا".

ويضيف أوزوولت على وجه التحديد قائلا: " يوفر البحث الذي قام به ساهو وزملاؤه أداةً جديدة لتحديد كتل الأجسام التي لا يمكن أن نقيسها بسهولة باستخدام أي وسيلة أخرى، حيث حدد الفريق كتلة بقايا نجمية منهارة تدعى القزم الأبيضwhite dwarf star، وهي أجسام أكملت دورة احتراق الهيدروجين hydrogen burning life cycle الخاصة بها، ومن ثمّ فهي بقايا جميع الأجيال السابقة من النجوم في مجرتنا درب التبانة."

ويضيف أوزوولت - وهو عالم فلك ورئيس قسم العلوم الفيزيائية في جامعة إمبري ريدل في ديتونا، فلوريدا- قائلاً:" سيشعر آينشتاين بالفخر، فقد نجحت إحدى تنبؤاته الأساسية في اجتياز اختبار رصدٍ صارم."

فهم "حلقات آينشتاين"

رُصد التعديس الثقالي للنجم - الذي تنبأ به آينشتاين- سابقاً، ففي عام 1919 وفرت قياسات ضوء النجم المنحني حول كسوف كامل للشمس أول الأدلة المقنعة لنظرية النسبية العامة general theory of relativity-قانون فيزيائي أساسي يصف الجاذبية كتابع هندسي لكل من الزمان والمكان، أو الزمكان

ويوضح أوزوولت قائلا:"عندما يمر النجم الأمامي تماماً بيننا وبين النجم الموجود في الخلفية، فإنّ التعديس الميكروي الثقالي ينتج على شكل حلقة دائرية مثالية تدعى "حلقة أينشتاين".

رصد علماء الفلك بواسطة هابل القزم الأبيض، والنواة المحترقة لنجم طبيعي، ونجم الخلفية الخافت  على مدى سنتين. ورصد هابل النجم الميت الذي يمر أمام نجم الخلفية، مشتتاً ضوءه. وخلال المحاذاة القريبة، ظهر ضوء النجم البعيد منزاحا بمقدار 2 ميللي ثانية قوسية milliarcseconds عن موقعه الفعلي، وهو انحراف صغير جداً؛ إذ إنه يعادل مراقبة زحف النمل عبر سطح قطعة نقدية عن بعد 1500 ميل.  وقد استطاع علماء الفلك من هذا القياس أن يحسبوا كتلة القزم الابيض التي كانت تعادل 68% من كلتة الشمس تقريبا.حقوق الصورة: NASA, ESA, and K. Sahu (STScI)


كما رصدت مجموعة ساهو سيناريو مشابها جداً: جسمين غير متحاذيين تماماً. وبذلك تشكلت نسخة غير متناظرة من حلقة أينشتاين. وبشأن ذلك يقول أوزوولت: " كانت الحلقة ولمعانها أصغر من أن يتم قياسهما، ولكن عدم تماثلها سمح للنجم البعيد بأن يظهر منزاحا عن موضعه الحقيقي. ويدعى هذا الجزء من تنبؤ أينشتاين بتعديس القياسات الفلكية "astrometric lensing" وكان فريق ساهو أول من رصده في نجم غير شمسنا."

استغل ساهو، وهو فلكي في معهد علوم التلسكوبات الفضائية في بالتيمور في ولاية ماريلاند، الدقة الزاوية العليا لتلسكوب هابل الفضائي، وقاس فريق ساهو الانزياح عن الموقع الظاهري لنجم بعيد فيما تشتت ضوؤه حول قزم أبيض يدعى شتاين B 2051 او(Stein 2051 B) خلال ثمان فترات زمنية بين تشرين الأول/أكتوبر 2013 و2015. وحددوا أن كتلة شتاين B 2051-وهو سادس أقرب قزم أبيض للشمس -تبلغ حوالي ثلثي كتلة شمسنا.

وفي هذا السياق يقول أوزوولت:" الفكرة الأساسية هي أن التشتت الظاهري لموقع النجم في الخلفية مرتبط مباشرةً بكتلة وجاذبية القزم الأبيض، ومدى اقتراب كليهما من التحاذي."

تعد اكتشافات الفلكيين هامة لثلاثة أسباب على الأقل وفقاً لأوزوولت

  • أولاً: يحل هذا البحث لغزاً قائماً منذ زمن حول كتلة وتركيب شتاين B 2051 على حد قوله.
  • وثانياً، يوضح قائلاً: "أكد فريق ساهو نظرية عالم الفلك الحائز على جائزة نوبل عام 1930 سوبرامانيان شاندراسيخارSubrahmanyan Chandrasekhar عن العلاقة بين كتلة ونصف قطر القزم الأبيض، حيث نعلم الآن أن شتاين B 2051 طبيعي تماماً؛ إنه ليس قزما أبيضَ هائلا ذا تركيب غريب كما اعتقدنا لما يقارب من قرن من الزمن."
  • وثالثاً، يختم أوزوولت قائلاً:" ستكون الأداة الجديدة لتحديد الكتل هامة جداً بينما تكشف الاستطلاعات الكبيرة الجديدة تحالفاتٍ أخرى مصادَفةً خلال السنوات القليلة القادمة."

يمكن أن تكون المظاهر خداعة، ففي صورة تلسكوب هابل هذه يبدو القزم الأبيض شتاين 2051B والنجم الأصغر أدناه كما لو كانا جارين قريبين، لكنّ النجمين بعيدان عن بعضهما جدا في الواقعً، إذ يبعد شتاين 2051B حوالي17 سنة ضوئية عن الأرض، فيما يبعد النجم الآخر حوالي 5000 سنة ضوئية عنها. وقد سمي شتاين 2051B نسبة لمكتشفه، الكاهن الروماني الكاثوليكي والفلكي يوهان شتاين Johan Stein. حقوق الصورة: NASA, ESA, and K. Sahu (STScI)

أما بالنسبة لمراقب النجوم العادي، فإن النتائج هامة، يقول أوزوولت: "97 في المائة على الأقل من جميع النجوم التي تشكلت في المجرة، بما في ذلك الشمس، ستصبح أقزاما بيضاء أو هي بالفعل كذلك، إنها تخبرنا عن مستقبلنا، وعن تاريخنا أيضا.


المصدر