من باطن الأرض نحو الفضاء



كهف ديفيز The Davis Cavern  الواقع في المستوى 4850 في مرفق سانفورد لبحوث تحت الأرض الملجأ لراي ديفيز Ray Davis الحائز على جائزة نوبل لتجربة النيوترينو الشمسي. وقد تم توسيع الكهف، ورش الجدران بالخرسانة (shotcrete) وغدا ملائماً لتجربة الزينون الكبيرة تحت الأرض Large Underground Xenon (LUX). 

حقوق الصورة: Matthew Kapust, Sanford Underground Research Facility, © South Dakota Science and Technology Authority

الكاتبة: كونستانس والتر Constance Walter، مرفق سانفورد لأبحاث تحت الأرض

كونستانس والتر هي مديرة الاتصالات في مركز سانفورد لأبحاث تحت الأرض. وهي تستكشف النجوم بالتفويض، وذلك عبر التجارب الفيزيائية التي تُجرى على عمق ميل تقريباً تحت الأرض في منجم هوم ستيك السابق للذهب. وهذا المقال هو مساهمة منها في Space.com's Expert Voices: Op-Ed & Insights.


في عام 1969 ألهب نيل أرمسترونغ مخيلتي حين خطا "خطوة كبيرة" على سطح القمر. كان عمري 11 عاماً عندما شاهدته يخطو خطوته الأولى، وكغيري من الملايين حول العالم، انتصبت أمام التلفاز. وأتساءل اليوم كيف ستكون ردة فعلي لو أن مذيع الأخبار قام ببساطةٍ بوصف هذه اللحظة العظيمة، هل سأشعر بإثارة شديدة؟ هل سأكون ملهَمة بشدة؟ أم تواقة جداً لأتعلم المزيد؟ لا أعتقد ذلك إذ كانت رؤية القصة مكشوفةً هو ما أعطاها هذا السحر الذي جذبني بشدةٍ نحوها.

يؤثر تصورنا عن العالم على طريقة رؤيتنا له: تلك النظرة الأولى إلى الفضاء الخارجي أثارت اهتماماً في مجال العلوم. وعلى الرغم من أنني لم أصبح عالمة إلا أنني وجدت وظيفة في مجال العلوم، فأنا أعمل مع الباحثين في مرفق سانفورد لبحوث تحت الأرض في (ليد) في داكوتا الجنوبية، إذ أنني أشرح تجارب الفيزياء المجردة والمعقدة للغاية بطرق تجعل من لا يعمل منا في هذا المجال يقدر قيمتها، وهذا ليس أمراً سهلاً دائماً.

هل سمعت من قبل بإشعاع بيتا الثنائي عديم النيوترينو؟ على الأغلب لا. لو قلت لك بأن هذا الشكل النادر من الاضمحلال النووي يمكن أن يساعدنا على قطع شوط طويل في فهم بعض أسرار الكون، هل يمكنك تصور ذلك؟ ربما. الكلمات مهمة، ولكن الرسوم التوضيحية أو المتحركة قد تعطيك فكرةً أفضل.

تصف كاثرين جيبسن Kathryn Jepsen رئيسة تحرير مجلة سيمتري Symmetry الفيزيائية هذه الحاجة للإضافات البصرية على هذا النحو: في محاولتها لإنشاء صور لقراء المجلة، لا تبدو متأكدة دائماً ما إذا كانت نيتها هي ما يراه القراء بأعين اعتبارهم، لذا فهي تعمل مع فنانين بصريين، ومصورين فوتوغرافيين ومصوري فيديو لخلق الصور التي ترغب في أن يشاهدوها. وتضيف جيبسن: "تساهم مقاطع الفيديو والرسومات التوضيحية في إظهار الصورة التي نرغب بإيصالها بدقة".

ومن الممكن أن تكون هذه الإضافات البصرية معقدة. ألقِ نظرةً على هذه الصورة المتحركة من مختبر أوك ريدج الوطني Oak Ridge National Laboratory. والتي أُنشئت بواسطة محاكاة تعمل على أجهزة الكمبيوتر الفائقة في المركز الوطني للعلوم الحاسوبية، فهي تظهر العملية المتوقعة في مفاعل الاندماج ايتر ITER، ويبين الفيديو أهداف التجربة بشكلٍ واضح، إلا أن الرسوم المتحركة تسمح بفهم كيف يمكن استخدام مفاعل الاندماج لتوليد الطاقة بشكلٍ أكبر.


 الحفر بعمق في حجر الأساس العلمي

لدى مختبر سانفورد العديد من القصص ليرويها: كالتجارب البحثية المعقدة وجائزة نوبل وتاريخه المقدر بـ 126 سنة كمنجم على سبيل المثال لا الحصر. ونكتب قصصاً لصحيفة إخبارية تدعى Deep Thoughts، ولموقع مختبر سانفورد وغيرها من المطبوعات. لكننا لا نعتمد فقط على الكلمات، فالصور ومقاطع الفيديو تلعب دوراً كبيراً في كيفية تقديم المختبر للعالم.

يمضي الباحثون من مختبر سانفورد عميقاً تحت الأرض في محاولة للرد على بعضٍ من أصعب أسئلة الفيزياء التي تدور حول الكون. ما هو أصل المادة؟ ما هي المادة المظلمة وكيف لنا أن نعرف أنها موجودة؟ ما هي خواص النيوترينات؟ فقد يساعدهم الذهاب في أعماق الأرض على الإجابة عن هذه الأسئلة الأساسية حول الكون.

أين هو المقدار الكلي من الطاقة المظلمة والمادة المظلمة؟

وإليك الطريقة: تمسك جيداً! تمر آلاف الأشعة الكونية عبر سطح الأرض كل يوم. ولكن تحت الأرض بميلٍ تقريباً، حيث تُجرى هذه التجارب الفيزيائية الكبيرة، المكان أكثر هدوءاً بمليون مرة. إذ تعمل الصخور كدرع طبيعي فتمنع الكثير من الإشعاعات الذي يمكن أن تتداخل مع تجارب الفيزياء الحساسة.

اتضح أن مختبر سانفورد مناسب لعمل تجارب الفيزياء الكبيرة لسبب آخر. تعد الصخور الصلبة لمنجم الذهب السابق هومستك Homestake Gold Mine مثالية لحفر الكهوف الكبيرة اللازمة لإجراء التجارب الكبيرة.

في الفترة ما بين 1876-2001، استخرج عمال المنجم أكثر من 40 مليون أوقية من الذهب و9 ملايين أوقية من الفضة من المنجم. قاموا في البداية باستخدام المعاول والمطارق والمجاريف، وفي كثير من الأحيان في الظلام وعلى ضوء الشموع فقط. وحين تعمقوا في الحفر، أحضروا العربات والبغال تحت الأرض لنقل المواد الخام. ولدت بعض الحيوانات هناك وكبرت وماتت ولم تر أشعة الشمس قط!

في بداية القرن العشرين، كانت تستخدم القاطرات والحفارات والمصابيح في منجم هومستك. وفي بداية الثمانينات، وصل عمق المنجم إلى 8000 قدم (2.4 كم)، ليصبح أعمق منجم للذهب في أمريكا الشمالية، إضافةً إلى 370 ميلاً (595.4 كم) من الأنفاق والمجاري الفرعية تحت الأرض. وفي أوجه كان يعمل ما يقارب الـ 2000 شخص في هومستك، ولكن مع انخفاض أسعار الذهب وارتفاع تكاليف التشغيل، بدأت الشركة بخفض العمليات وتقليل عدد الموظفين.

وأخيراً في عام 2001، قامت شركة باريك للذهب والتي تمتلك المنجم بإغلاقه كلياً. و بعد خمس سنوات، تبرعت الشركة بالمنشأة إلى ولاية داكوتا الجنوبية لاستخدامها كمختبر تحت الأرض. في نفس العام تبرع السخي تي. ديني سانفورد T. Denny Sanford بمبلغ 70 مليون دولار للمشروع. ومنذ ذلك الحين، التزمت الولاية بأكثر من 45 مليون دولار لتمويل هذا المشروع. وقد استقبلت الولاية سابقاً 10 ملايين دولار كمنحة من لجنة تنمية المجتمع CDBG للمساعدة في إعادة تأهيل المرفق الهرم.

وكان جزء من سحر استخدام هومستك لبناء مختبر العلوم العميق تحت الأرض يعود إلى تاريخه كمَعلَم فيزيائي. إذ يبدأ تاريخه في منتصف الستينات حيث عمل الكيميائي النووي راي ديفيز Ray Davis تجربة النيوترينو الشمسي على عمق 4850 قدماً (1.5 كم) تحت الأرض (أي عند المستوى 4850) في منجم هومستك. مستخدماً خزاناً بسعة 100,000 جالون مليء برباعي كلورو ايثيلين perchloroethylene (وهو السائل المستخدم في التنظيف الجاف)، كان ديفيز يترقب التفاعل بين النيوترونات وذرات الكلور، معتقداً أنها ستتحول إلى ذرات الأرجون.

بعيداً عن نشاط التعدين، عمل ديفيز لمدة ثلاثة عقود تقريباً لإثبات نظريةٍ طورها مع معاونه وزميله جون باكول John Bahcall، أستاذ الفيزياء الفلكية في كلية العلوم الطبيعية في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون. اقترح الباحثان أنه من الممكن دراسة أسرار الشمس عن طريق قياس عدد النيوترونات التي تصل الأرض من الشمس. وفي السبعينات، أثبت ديفيز صحة نظريتهما. ولكن كانت هناك مشكلة بسيطة: لم يستطع ديفيز إيجاد سوى ثلث عدد النيوترينات المتوقع بحسب النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات والنموذج القياسي الشمسي SSM. الأمر الذي أدى إلى مشكلة النيوترينو الشمسية.

يذكر ديفيز بعد عدة سنوات: "تسببت مشكلة النيوترينو الشمسية بذعر كبير بين علماء الفيزياء وعلماء الفيزياء الفلكية. وكان رأيي في السنوات الأولى أن هناك خطأ ما في النموذج القياسي الشمسي، بينما اعتقد العديد من الفيزيائيين بأنه كان هناك خطأ ما في تجربتي".

بحث العلماء في المختبرات العميقة تحت الأرض في جميع أنحاء العالم عن جواب لهذا اللغز. وفي النهاية، حُلّ اللغز على يد باحثين في تجربتين منفصلتين: الأولى كانت في مختبر SNOLab في كندا، والأخرى هي تجربة سوبر كاميوكاندي Super-Kamiokande في اليابان والتي تخوض في الأمر نفسه. وكما تبين بعد ذلك، فإن النيوترونات هي جسيمات لها خصائص صعبة جداً، تغير "نكهاتها" (flavors) أثناء انتقالها عبر الفراغ، متذبذبةً بين نيوترينو الإلكترون والميون والتاو. كان بمقدور كاشف ديفيز رؤية نيوترينو الإلكترون فقط.

في عام 2002، فاز بحث ديفيز الرائد بجائزة نوبل في الفيزياء، مما أثار نشاط الفيزيائيين للضغط من أجل الحصول على مختبر في ما عُدّ أرضاً مقدسةً في منجم هومستك المهجور. (في عام 2015 تقاسم كل من تاكاكي كاجيتا Takaaki Kajita من تجربة سوبر كاميوكاندي وآرثر ماكدونالد Arthur McDonald من SNOLab جائزة نوبل في الفيزياء لاكتشافاتهم تذبذب النيوترينو).

حفرة عميقة جداً فريدة من نوعها 

بسبب تاريخه الفيزيائي الغني وبنائه المميز، ضغطت ولاية داكوتا الجنوبية وعدد من العلماء من أجل الحصول على مختبر عميق بقيمة مليار دولار، يصل عمقه إلى 7400 قدم. وفي عام 2007 اختارت مؤسسة العلوم الوطنية في الولايات المتحدة NSF هذا الموقع ليكون الموقع المفضل للمشروع المقترح لمختبر العلوم والهندسة العميق DUSEL. 

ولكن في عام 2010 قرر مجلس مؤسسة العلوم الوطنية عدم الاستمرار في دعم التصاميم الإضافية لهذا المشروع مالياً. فبدأ الفيزيائيون والمواطنون والسياسيون مباشرةً بالبحث عن مصادر تمويل بديلة، ثم في 2011 وافقت الإدارة العامة للطاقة DOE من خلال مختبر لورنس بيركلي الوطني بدعم العمليات العلمية القائمة في مختبر سانفورد، مع البحث عن كيفية الاستفادة من المختبر العميق في تجارب الأخرى طويلة المدى.


اليوم، يستضيف مختبر سانفورد ثلاث تجارب فيزيائية كبيرة على عمق ميل تقريباً عند المستوى 4850.  تبحث تجربة الزينون الكبيرة تحت الأرض The Large Underground Xenon أو اختصاراً LUX في المادة المظلمة، والتي تكوّن معظم المادة الموجودة في الكون، والتي لم تلتقط حتى الآن.

لا يمكننا رؤية أو لمس هذه المادة ولكننا نعرف بأنها موجودة من خلال تأثيراتها الثقالية على المجرات والعناقيد المجرية. يستخدم العلماء في LUX وعاءً ممتلئاً بثلث طن من الزينون السائل، على أمل أنه عندما تصطدم جسيمات فائقة ضعيفة التفاعل WIMP بذرة زينون، ستتحسس الكواشف هذا الحدث. وفي أكتوبر 2013 بعد تشغيل مبدئي للتجربة لمدة 80 يوماً، أصبحت LUX الكاشف الأعلى حساسية للمادة المظلمة في العالم.


تعود بنا تجربة ماجورانا Majorana experiment إلى إشعاع بيتا المزدوج الخالي من النيوترينات االمبهم. ويطلق على النيوترينات والتي تصنف كأكثر الجسيمات وفرةً في الكون باسم جسيمات "الشبح" لأنها تعبر من خلال المادة وكأنها غير موجودة. يأمل العلماء باستخدام تجربة ماجورانا في الكشف عن ظاهرة تحلل بيتا المزدوج الخالي من النيوترينات النادرة، التي من الممكن أن تكشف ما إذا كانت النيوترينات هي نفسها جسيماتها المضادة.

يمكن أن تساعدنا الإجابة على هذا السؤال على فهم سبب وجود البشر -بل والكون كله- لذا تحتاج تجربة ماجورانا إلى بيئة نظيفة للغاية، حتى أنها بنيت بالكامل تقريباً من النحاس الذي شُكّل كهربائياً في أعماق الأرض، وتستخدم العشرات من أجهزة الكشف المصنوعة من بلورات الجرمانيوم المخصب 76 Ge في بحثها.

وتبنى الكواشف في "علبة القفازات" فائقة النظافة والتي تنظف دورياً تنظيفاً فائقاً باستخدام غاز النيتروجين، لضمان عدم تماس أي ذرة من الغبار مع الكواشف عالية الحساسية. وعند الانتهاء، توضع سلاسل الكواشف داخل وعاء من النحاس يؤدي إلى درع واقية من الطبقات لحماية إضافية ضد العوامل البيئية.

نظام كاسبار (نظام مسرعات مزدوج لإجراء بحوث الفيزياء الفلكية): يدرس الباحثون العمليات النووية في النجوم، والتي تهدف في الأساس إلى إجراء نفس التفاعلات التي تحدث في النجوم الأقدم من شمسنا بقليل. وإذا تمكن الباحثون من فعل ذلك، فإنه يمكن أن يساعد في استكمال صورة كيفية بناء العناصر في كوننا. ستنطلق التجربة في بداية 2017.

 ولكن هل يمكنك أن ترى العلم؟

هل لديك صورة في ذهنك عن كل من هذه التجارب؟ هل هي الصورة الصحيحة؟ الأمر ليس سهلاً. فالكتّاب يريدون من العامة بأن يفهموا بوضوح سبب أهمية العلم. ولذا فإننا نبحث عن الصور التي من شأنها أن تكمل قصصنا.


مات كابوست Matt Kapust هو مطور الخدمات الإبداعية في مختبر سانفورد (ونشكل نحن الاثنان فريق الاتصالات بأكمله). ومنذ عام 2009، يوثق كابوست تحويل المنجم إلى مختبر رائد للأبحاث في العالم، وذلك باستخدام التصوير الفوتوغرافي والفيديو لتسجيل كل مرحلة من مراحل البناء والتجهيز.

يذكر كابوست: "مقاطع الفيديو هي واحدة من أهم الأدوات التي نملكها ضمن حزمة أدواتنا. كمطوري محتوى، نحن بحاجة إلى إيجاد وسائل مبتكرة لشرح مفاهيم العلوم العميقة لغالبية الجماهير بطرق تجعلهم متحمسون للعلم".

وتعد الأفلام مهمةً لأسباب أخرى كذلك. يضيف كابوست: "المشاريع العلمية الضخمة مثل تلك التي لدينا في مختبر سانفورد لا تمول بشكل خاص، فهي لا تدار من قبل الشركات، بل تمول من قبل الناس وتحتاج إلى دعم الناس. النداء الشامل عبر المادة السينمائية يسمح لنا بطرح القصص بطرق جديدة ونولد هذا الدعم على نطاق واسع".

يتلقى مختبر سانفورد 15 مليون دولار سنوياً للعمليات من وزارة الطاقة. بالإضافة إلى 40 مليون دولار قُدمت للمختبر في عام 2007 لدعمه، كما قدمت ولاية ساوث داكوتا مؤخراً حوالي 4 ملايين دولار لتحسينات في أحد الأعمدة. وتتلقى التجارب الفردية تمويلاً بالملايين من الدولارات من مؤسسة العلوم الوطنية ووزارة الطاقة، ومن المتوقع أن تكلف التجربة المستقبلية المقترحة (مرفق الخطأ الأساسي الطويل للنيوترينو LBNF والمرتبط بتجربة النيوترينو العميقة تحت الأرض DUNE) حوالي 1 مليار دولار. كل هذا يأتي من دافعي الضرائب، والذين يريدون أن يعرفوا أين تذهب أموالهم، ولماذا.

تساعد رواياتنا، إذا قدمناها بشكل صحيح، على خلق الإثارة وتحفيز المخيلة الجماعية للناس، أعني أننا نتحدث عن احتمال اكتشاف نشأة الكون! فحين تفكر بالأمر بهذه الصيغة، فيمكن لصورة -أو لفيديو- أن تغني قيمته عن مليون كلمة، أو مليار دولار.

تثبيت النيوترونات

يشير كابوست إلى تجربة المليار دولار كمثال على ذلك. تعتبر تجربة LBNF/DUNE حالياً في مراحل التخطيط، وهي عبارة عن تعاون دولي في التصميم والتنسيق والتمويل والذي من شأنه أن يساعد على حل أسرار النيوترينو.

تمر مليارات النيوترينات عبر أجسامنا في كل ثانية، والتي تتشكل في مفاعلات نووية، كالشمس (مفاعل نووي ضخم) وغيرها من النجوم والمستعرات الفائقة والأشعة الكونية حين تصطدم بالغلاف الجوي للأرض.

يريد الباحثون في LBNF/DUNE على وجه الخصوص أن يفهموا بشكل كامل تذبذب النيوترينو، وتحديد كتلة هذه الجسيمات الشبحية، وحل لغز عدم توازن المادة/ المادة المضادة في الكون. للقيام بذلك، سيتتبعون شعاع النيوترينو الأعلى كثافةً في العالم حين يعبر مسافة 800 ميل (1287.5 كم) من خلال الأرض، من مختبر فيرمي في باتافيا/ إلينوي، إلى أربعة أجهزة كشف ضخمة في المستوى 4850 من مختبر سانفورد. وحين يتحول نجم إلى مستعر فائق -والتجربة قيد التنفيذ- سيتمكن الباحثون من تعلم الكثير.



 سوف تكون LBNF/DUNE أحد أكبر التجارب العلمية الضخمة الدولية التي تحدث على الأراضي الأمريكية على مر التاريخ، فالحجم الهائل لهذه التجربة محير للعقل.

على سبيل المثال، تعبأ الكاشفات بـ 13 مليون غالون من الأرجون السائل، وهو عنصر مستخدم في تجربة SNOLab التي اكتشفت تذبذب النيوترينو. وسيتم حفر أكثر من 800,000 طن من الصخور لإنشاء ثلاث كهوف، اثنان للكواشف وواحد للمرافق العامة. وسيكون كل كهف بطول ملعبي كرة قدم تقريباً.

يتطلب هذا الكثير من التفجير، ويريد المهندسين في مختبر سانفورد توثيق اختبار الانفجارات لعدة أسباب: يريدون تمثيل ما سيبدو عليه الانفجار بيانياً، فهم يأملون في التقاط أي علامة مرئية للغبار أثناء نزوله. ويجري الآن بناء التجربة الضخمة بالقرب من التجارب الحالية، ومن الممكن أن يؤثر الغبار سلباً عليها.

ويمكن أن يساعدهم تسجيل الحدث بواسطة الفيديو على تحديد أفضل السبل لتفجير الصخور بطريقة تبعد الغبار عن التجارب الفيزيائية الحساسة الأخرى. وفي الوقت الذي تمضي فيه التجربة قدماً، سيوثق فريقنا كل مرحلة. لا يمكننا أن نأخذ الزوار تحت الأرض، ولكن يمكننا أن نطلعهم على تقدمنا.

تقول كيتي يوركيفيتش Katie Yurkewicz رئيسة الاتصالات في مختبر مسرع فيرمي الوطني: "إذا كانت الكلمات هي أداتنا الوحيدة، فسيكون من الصعب للغاية (إن لم يكن مستحيلاً) أن نصل بالناس إلى لحظة "آها!" من فهم الموضوع. الفيديو والرسوم المتحركة لا تقدر بثمن في إيصال تلك الموضوعات المعقدة في البناء والفيزياء".

في مجال عملنا، من المهم السعي للحصول على الخبرة والفائدة من العاملين الآخرين في الاتصالات ووسائل الإعلام. ويذكر كابوست: "إننا غالباً ما تعتمد على صانعي الأفلام الوثائقية، ووكالات الأنباء والإذاعة العامة لمساعدتنا في سرد القصص"، ذاكراً RAW Science وBBC وSouth Dakota Public Broadcasting من بين تلك الجهات، ويضيف: "من المهم بالنسبة لنا أن نكون قادرين على العمل مع هذه المجموعات لأن مواردنا محدودة. لذا، نحن بحاجة إلى المساعدة وفرص التواصل التي يقدمونها".


في مايو 2015، وصل فريق من ساينس فرايدي من PRI إلى مختبر سانفورد للقيام بقصة حول LUX والبحث عن المادة المظلمة. قضى الفريق ثلاثة أيام للتصوير في باطن الأرض وعلى السطح، وأجروا مقابلات مع العلماء والطلاب والإداريين. نشرت القصة في الإذاعة بطبيعة الحال، ولكن شمل البرنامج أيضاً مقطع فيديو مدته 17 دقيقة على موقع ساينس فرايدي. استخدم البرنامج الإذاعي الصوت واللحن والكلمات لزيادة التأثير، ولكن الفيديو يأخذ المشاهدين إلى أرض الحدث، إلى مختبر حديث ومُضاء جيداً، وكأنهم يركبون قاطرة تسير من خلال الكهوف المظلمة تحت الأرض.

وشارك الفيلم في مسابقة في مهرجان RAW Science film festival، الذي يقام في لوس أنجلوس في 4-5 كانون الأول/دسمبر.

ترتيب المشاهد 

إنتاج فيلم في مختبر سانفورد ليس عملاً سهلاً، إذ تتطلب الرحلات تحت الأرض الكثير من التخطيط الدقيق، وحتى عمل خطة للرحلة، كجزء من السجل لتتبع جميع من يعمل تحت الأرض. وفي حالة حدوث أي طارئ، سيتم إخلاء تحت الأرض. يضمن السجل بأن يصعد كل شخص على السطح بأمان، لأنه مطلوب منا قضاء الكثير من الوقت تحت الأرض، نجري تدريبات أساسية في مجال السلامة التي تصل إلى عدة ساعات في السنة.

لكل رحلة، نتقيد بارتداء ملابس معينة -كالقبعات الصلبة كإجراء وقائي والمآزر الكاملة للحفاظ على ملابسنا من الغبار- ثم نذهب في رحلة تستغرق 11 دقيقة في قفص مظلم أو ما يسمى مصعد، ونذهب إلى مختبرات تقع على عمق ميل تقريباً تحت سطح الأرض. ونجر معدات التصوير والإضاءة الثقيلة وعدة الصوت معنا، ونصور مقاطع فيديو في أماكن ضيقة.

إذا نسينا شيئاً لا يمكن أن نستدير ونعود لأجله، لأن القفص لا يعمل إلا في أوقات معينة خلال اليوم. في هذه الحالة إحضار الغداء أمر لابد منه. وعندما نستقر تحت الأرض، ندخل منطقة غسيل العربة حيث نخلع مآزرنا وننظف قبعاتنا وننظف جميع المعدات بواسطة الكحول، إذ لا نريد جلب الأوساخ إلى داخل المختبر. وأخيراً، نضع الجوارب على أحذيتنا، ثم ندخل منطقة المختبر. أحد المزايا العظيمة هناك؟ يوجد آلة لصنع القهوة ومحمصة خبز بانيني!

مؤخراً، أنهينا قصة حول الجزء الأعمق من الدرع ذو الستة طبقات في مشروع ماجورانا. يعطي درع التجربة حماية إضافية من الإشعاع الذي يتخلل خلال الصخور المحيطة بها، وخاصة غاز الرادون، والذي من المحتمل أن ينشئ ضوضاء في التجربة. الدرع الداخلي مميز -لقد صنع من نحاس شديد النقاء مشكل كهربائياً في المستوى 4850 من مختبر سانفورد.

قابلنا الفيزيائي فنسنت جوزيبي Vincent Guiseppe، العقل المدبر للدرع، داخل غرفة نظيفة فئة 100 مدفونة عميقاً حيث يتم كل هذا العمل. وعلى الرغم من احتياطاتنا، لم نتمكن من الدخول للغرفة بدون أن نرتدي لباس المختبرات الكامل "bunny suit": وهو عبارة عن لباس كامل يتضمن قبعة وجوارب طويلة وزوجان من القفازات وقناع للوجه، وكان علينا التحرك بحذر لأن الأبحاث مستمرة حولنا. لقد كان تحدياً، ولكنه كان يستحق كل هذا العناء للحصول على قصة وصورة مذهلة للدرع.


 في حين أن الهبوط على سطح القمر ألهم جيلي النظر إلى الكون -وأوحى إليّ بأن أتمنى أن أسافر إلى الكواكب البعيدة، وأرى درب التبانة من مجرة بعيدة، وأعرف أسرار الكون- لا أحد منا توقع أننا سنعرف ما فوقنا عن طريق النظر بعمق ميل تقريباً تحت الأرض. ولكن مع المزيج السليم من المشاهد والقصص يلهم العلم الجيل الجديد، في الوقت الذي يبحث فيه عن إجابات لأسئلة ضخمة باستخدام أدوات لا تصل الآن إلى النجوم.