الطروادة المريخية هي بقايا كويكب قديم
تمثّل كويكبات طروادة شيئًا مذهلاً في نظامنا الشمسي،
وأكثر هذه الكويكبات شهرة على الإطلاق هي التي تدور في مدار كوكب المشتري
(حول نقطتي لاغرانج الرابعة L4 والخامسة L5). كما أنّ لدى كل من الزهرة
والأرض والمريخ وأورانوس ونبتون هذه الكويكبات أيضاً. وبطبيعة الحال، فإنّ
هذه الأجسام الصخرية هي نقطة محورية لكثير من البحوث العلمية؛ إذ إنّ لديها
الكثير لتقوله لنا عن تشكّل النظام الشمسي وتاريخه المبكر.
وسعياً لدراسة هذه الكويكبات فقد قام الفريق -الذي يقوده غالين بوريسوف Galin Borisov وأبوستولوس كريستو Apostolos Christou من مرصد أرماغ والقبة السماوية Armagh Observatory and Planetarium في ايرلندا الشمالية -بفحص تركيب الطروادة المريخية Martian Trojans باستخدام البيانات الطيفية التي تم الحصول عليها بواسطة منظار تحليل الطيف إكس-شوتر X-SHOOTER المركّب على التلسكوب الكبير جداً (VLT)، والبيانات الضوئية التي تم الحصول عليها من تلسكوب المترين التابع للمرصد الفلكي الوطني National Astronomical Observatory وتلسكوب ويليام هيرشل William Herschel.
وقد فحص الفريق، على وجه التحديد، اثنين من أفراد عائلة يوريكا Eureka family وهي مجموعة من الطروادة المريخية التي تقع في نقطة لاغرانج الخامسة L5 للكوكب.
حيث يوجد في هذه النقطة ثمانية كويكبات من أصل تسعة معروفة من الطروادة
المريخية موجودة في مدارات مستقرة (يوجد الكويكب الطروادي المتبقي في نقطة
لاغرانج الرابعة L4)، والتي سميت بعد اكتشاف أول كويكب من الطرواد المريخية المسمى بـِ 5261 يوريكا 5261 Eureka. ومثل جميع الكويكبات الطروادية، يعتقد أن أفراد عائلة يوريكا قد دارت حول المريخ منذ تشكل النظام الشمسي.
"إن [عائلة طروادة] فريدة من نوعها في النظام الشمسي من جوانب عدة. فهي على عكس كل المجموعات أخرى موجودة في حزام الكويكبات الرئيسي Main Asteroid Belt بين المريخ والمشتري، فإن مجموعة طروادة تتألف من كويكبات غنية بالأولفين (الزبرجد الزيتوني)، اي أنها مكونة بنسبة كبيرة من معدن الأولفين. بالإضافة إلى أن أقطار هذه الكويكبات لا يتجاوز 2 كم، وهو أصغر بكثير مما يمكن أن نراه في مجموعات أخرى، ويعود ذلك بشكل أساسي لقربها كثيراً من الأرض مقارنة بالكويكبات الأخرى. وأخيراً، فهي أقرب عائلة نعرفها إلى الشمس، ولهذا انعكاسات على كيفية تشكلها حيث يلعب التأثير الضئيل، ولكن المستمر، لأشعة الشمس دوراً في ذلك".
وجد الفريق بعد جمع البيانات الطيفية والضوئية عن هذه الكويكبات أنها غنية بمعدن الأولفين -وهو معدن مركب من سيليكات الحديد والمغنيسيوم magnesium iron silicate والذي يعتبر المكون الأساسي لستار الأرض، ويعتقد أيضاً أنه المكون الأساسي لستار الكواكب الصخرية terrestrial planets الأخرى. كان هذا اكتشافاً غير عادي عن الكويكبات، وهو مثير للاهتمام عند مقارنته مع 5261 يوريكا -الذي لديه أيضاً تركيب غني بالأولفين.
وبالنظر إلى أنّ كويكبات يوريكا لها أيضاً مدارات مماثلة، خَلص الفريق إلى
أن من المرّجح أن يكون لكل فرد من أفراد هذه العائلة تركيب مشترك
-وبالتالي، أصل مشترك. قد تشمل هذه النتائج دلائل قوية عن أصل كل من
الطروادة المريخية، والنظام الشمسي الداخلي. كما أوضح الدكتور كريستو الذي
قال في هذا السياق:
"إن وجود الكويكبات التي تحتوي على الأولفين المكشوف على أسطحها، يوضح
تسلسل الأحداث التي أدت إلى تشكل المريخ. يتشكل الأولفين داخل الأجسام التي
نمت بما فيه الكفاية لتتميز أجزاؤها إلى قشرة، وستار، ونواة. لذلك، يجب أن
تكون هذه الأجسام قد تشكلت قبل المريخ وكانت مستعدة للمشاركة في تشكله.
ومن الضروري حتى يتم الكشف عن الأولفين، تحطم هذه الأجسام بسبب الاصطدامات.
ويشير عملنا الجاري حالياً إلى أنه من غير المرجح حدوث هذا بعد استقرار
النظام الشمسي في تكوينه الحالي، ولذلك كان يجب أن تكون هناك فترة من تطور
تصادمي شديد خلال عملية تشكل الكوكب ."وبعبارة أخرى، إذا تشكل المريخ من عدة أنواع من المواد المخلوطة معاً، فإن هذه الكويكبات ستكون عينات من المصدر الأصلي -أي كواكب دقيقة planetesimals. ومن خلال دراسة هذه الكويكبات بشكل معمق، سيكون بمقدور العلماء معرفة العملية التي تشكل فيها المريخ، أو"فك شيفرة المريخ" على حدّ تعبير كريستو.
ومن المرجح أن يكشف هذا البحث الكثير عن تشكّل الأرض والكواكب الصخرية الأخرى في النظام الشمسي. وستبذل جهود مماثلة مع مهمة لوسي Lucy mission التابعة لوكالة ناسا، والتي من المقرر أن تُطلق في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2021. وسيقوم هذا المسبار بين عامي 2027 و 2033، بدراسة الطروادة المشترية Jupiter’s Trojan، والحصول على معلومات عن جيولوجيا ستة من الكويكبات، وملامح أسطحها، وتركيبها، وكتلها وكثافاتها، وذلك لمعرفة المزيد عن أصلها.
المصدر
التعليقات على الموضوع