الشبكات العصبونية تقابل الفضاء
تمكن باحثون من قسم الطاقة في مختبر المسرع الوطني (SLAC) وجامعة ستانفورد وللمرة الأولى من إثبات قدرة شبكات عصبية (neural networks)-وهي شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي- على تحليل التشوهات المُعقدة الموجودة في الزمكان (spacetime) والتي تُعرَف بالعدسات الثقالية (gravitational lenses) بسرعة تجاوزت الطرق التقليدية بعشرة ملايين مرة.
يقول لورانس بيرول ليفاسور Laurence Perreault Levasseur، طالب أبحاث ما بعد الدكتوراة والمؤلف المشارك في الورقة البحثية المنشورة في مجلة نيتشر: "عمليات التحليل تطلب أسابيع لإنجازها، بالإضافة للكثير من الخبراء لإدخال البيانات، إضافة إلى الاحتياجات التقنية اللازمة لإجراء الحسابات، إذ يُمكِن إجراؤها باستخدام شبكات عصبية خلال أجزاء من الثانية وبطريقة آلية بالكامل، وكل ذلك على شريحة معالج هاتف من حيث المبدأ".
تحليل معقد بسرعة البرق
يقول لورانس بيرول ليفاسور Laurence Perreault Levasseur، طالب أبحاث ما بعد الدكتوراة والمؤلف المشارك في الورقة البحثية المنشورة في مجلة نيتشر: "عمليات التحليل تطلب أسابيع لإنجازها، بالإضافة للكثير من الخبراء لإدخال البيانات، إضافة إلى الاحتياجات التقنية اللازمة لإجراء الحسابات، إذ يُمكِن إجراؤها باستخدام شبكات عصبية خلال أجزاء من الثانية وبطريقة آلية بالكامل، وكل ذلك على شريحة معالج هاتف من حيث المبدأ".
تحليل معقد بسرعة البرق
استخدم الفريق الموجود في معهد كافلي لفيزياء الجسيمات الفلكية وعلم الكونيات (KIPAC)، وهو معهد مشترك بين (SLAC) وستانفورد، الشبكات العصبية لتحليل صور تحتوي مفعول عدسة ثقالية قوي، فتلك الصور الخاصة بمجرة بعيدة جداً كانت مُضاعَفة ومُشوَّهة إلى حلقات وأقواس جرّاء جاذبية أجسام فائقة الكتلة مثل عنقود مجري أشد قرباً لنا.
تُقدِّم هذه التشوهات أدلَّة مُهمَّة عن كيفية توزِّع المادة في الفضاء وكيف يتغيّر هذا التوزع بمرور الزمن، وهي خواص مرتبطة بالمادة المظلمة (dark matter) غير المرئية والتي تُؤلف 85% من المادة الموجودة في الكون، إضافة إلى صلتها بالطاقة المظلمة (dark energy) المسؤولة عن تسارع التوسع الكوني.
تُقدِّم هذه التشوهات أدلَّة مُهمَّة عن كيفية توزِّع المادة في الفضاء وكيف يتغيّر هذا التوزع بمرور الزمن، وهي خواص مرتبطة بالمادة المظلمة (dark matter) غير المرئية والتي تُؤلف 85% من المادة الموجودة في الكون، إضافة إلى صلتها بالطاقة المظلمة (dark energy) المسؤولة عن تسارع التوسع الكوني.
تُعتبر هذه العملية حتى أيامنا هذه عمليةً مملة وتنطوي على مقارنة صور حقيقية للعدسات مع عدد كبير من عمليات المحاكاة الحاسوبية لنماذج رياضية لظاهرة العدسة الثقالية، وقد يتطلّب هذا الأمر أسابيع وحتى أشهر لعدسة مفردة، وقد تمكن الباحثون من إنجاز التحليل نفسه ببضع ثوانٍ فقط، كما أثبتوا صحة الطريقة عبر استخدام صور حقيقية قادمة من تلسكوب هابل الفضائي التابع لناسا وصور أخرى ناجمة عن عمليات محاكاة حاسوبية بوجود الشبكات العصبية.
ولتدريب الشبكات العصبية على معرفة ما تبحث عنه، قدّم لها الباحثون نحو نصف مليون صورة ناجمة عن عمليات محاكاة خلال يوم كامل تقريباً، وحالما تدربت تلك الشبكات أصبحت قادرة على تحليل العدسات الجديدة بشكلٍ لحظي تقريباً وبدقة تُضاهي طرق التحليل التقليدية، وفي ورقة علمية منفصلة أُرسِلت لدورية (Astrophysical Journal Letters) شرح الفريق كيف يمكن لهذه الشبكات أن تحدد الارتيابات الموجودة في تحليلهم.
استخدم باحثون من (KIPAC) صوراً لمجرات خضعت لمفعول عدسات ثقالية قوي، والتقط هذه الصور تلسكوب هابل الفضائي لاختبار أداء الشبكات العصبية التي تبدو واعدة إلى حد كبير في تسريع عمليات التحليل المتعلقة بالفيزياء الفلكية. حقوق الصورة:Yashar Hezaveh/Laurence Perreault Levasseur/Phil Marshall/Stanford/SLAC National Accelerator Laboratory; NASA/ESA
مهيؤون لفيضان البيانات المستقبلي
يقول ياشار هيزافي Yashar Hezaveh المؤلف الرئيسي للدراسة وطالب أبحاث ما بعد الدكتوراة في (KIPAC) ويعمل في تلسكوب هابل التابع لناسا: "تمكنت الشبكات العصبية التي اختبرناها -ثلاثٌ منها متاحة للعامة وواحدة طورناها بأنفسنا- من تحديد خواص كل عدسة، بما في ذلك كيفية توزع كتلة كل منها، ومقدار تضخيمها لصورة المجرة الموجودة في الخلفية".
يمضي هذا بعيداً خلف التطبيقات الحالية للشبكات العصبية في الفيزياء الفلكية، والتي كانت محدودة في حل مسائل التصنيف، مثل تحديد فيما إذا كان ظاهرة العدسة الثقالية موجودة في صورة ما أم لا.
إن القدرة على التمحيص في كميات هائلة من البيانات وإجراء عمليات تحليل معقدة بسرعة كبيرة جداً وبطريقة آلية بالكامل قد يساهم في تحويل الفيزياء الفلكية بطريقة مطلوبة بشكل كبير بالنسبة لعمليات المسح المستقبلية للسماء والتي ستنظر نحو أماكن أعمق في الكون، وستُنتِج كميات من البيانات أكثر من أي وقتٍ مضى.
على سبيل المثال، سيقدم تلسكوب المسح الإجمالي الكبير (LSST) الذي يجري بناء كاميرته ذات الدقة 3.2 غيغا بكسل في (SLAC) مشاهداً للكون غير متوازية، ومن المتوقع زيادة عدد العدسات الثقالية القوية والمعروفة من بضعة مئات كما هي الحال اليوم إلى عشرات الآلاف.
يقول ليفاسور: "ليس لدينا العدد الكافي من الناس لتحليل كل هذه البيانات خلال وقتٍ مناسب باستخدام الطرق التقليدية، إذ ستساعدنا الشبكات العصبية على تحديد الأجسام المثيرة للاهتمام وتحليلها بشكلٍ أسرع، وسيمدنا ذلك بالمزيد من الوقت لطرح الأسئلة الصحيحة حول الكون".
يمضي هذا بعيداً خلف التطبيقات الحالية للشبكات العصبية في الفيزياء الفلكية، والتي كانت محدودة في حل مسائل التصنيف، مثل تحديد فيما إذا كان ظاهرة العدسة الثقالية موجودة في صورة ما أم لا.
إن القدرة على التمحيص في كميات هائلة من البيانات وإجراء عمليات تحليل معقدة بسرعة كبيرة جداً وبطريقة آلية بالكامل قد يساهم في تحويل الفيزياء الفلكية بطريقة مطلوبة بشكل كبير بالنسبة لعمليات المسح المستقبلية للسماء والتي ستنظر نحو أماكن أعمق في الكون، وستُنتِج كميات من البيانات أكثر من أي وقتٍ مضى.
على سبيل المثال، سيقدم تلسكوب المسح الإجمالي الكبير (LSST) الذي يجري بناء كاميرته ذات الدقة 3.2 غيغا بكسل في (SLAC) مشاهداً للكون غير متوازية، ومن المتوقع زيادة عدد العدسات الثقالية القوية والمعروفة من بضعة مئات كما هي الحال اليوم إلى عشرات الآلاف.
يقول ليفاسور: "ليس لدينا العدد الكافي من الناس لتحليل كل هذه البيانات خلال وقتٍ مناسب باستخدام الطرق التقليدية، إذ ستساعدنا الشبكات العصبية على تحديد الأجسام المثيرة للاهتمام وتحليلها بشكلٍ أسرع، وسيمدنا ذلك بالمزيد من الوقت لطرح الأسئلة الصحيحة حول الكون".
طريقة ثورية
استُلهِمت الشبكات العصبية من هندسة الدماغ البشري المكون من شبكة كثيفة من الخلايا العصبية (عصبونات) التي تُعالج المعلومات وتُحلِّلها بسرعة في النسخة الصناعية، فالعصبونات عبارة عن وحدات حاسوبية مفردة مرافقة لبكسلات الصورة التي يجري تحليلها، وتُنظَّم تلك العصبونات في طبقات قد يصل عددها إلى مئات، حيث تبحث كل طبقة من تلك الطبقات عن مميزات محددة في الصورة، وحالما تجد الطبقة الأولى خاصية محددة، فإنها تنقل المعلومات إلى الطبقة التالية التي تبدأ بدورها عملية البحث عن مميزة ثانية، وهكذا دواليك.
يقول العالم في (KIPAC) فيل مارشال Phil Marshall والمؤلف المشارك في الدراسة: "الشيء المذهل بخصوص الشبكات العصبية هو قدرتها على تعليم نفسها الخواص التي يجب أن تبحث عنها"، ويتابع قائلاً: "هذا مشابه للطريقة التي يتعلم الأطفال من خلالها كيفية التعرف على الأجسام، فأنت لا تخبرهم بالتحديد ما هو الكلب، إنك تُريهم صور للكلاب فقط".
لكن في هذه الحالة ووفقاً لهيزافي: "لا يُشابِه الأمر التقاطهم لصور لكلاب من بين كومة من الصورة فقط، وإنما إعطاءهم أيضاً معلومات حول وزن الكلاب، وطولها، وأعمارها".
على الرغم من أن علماء (KIPAC) شغلوا اختباراتهم على "مجموعة كلاستر" حاسوب عال الأداء يُعرف يشيرلوك والموجود في مركز أبحاث الحوسبة في ستانفورد، إلا أنه بإمكانهم إجراء عملياتهم الحاسوبية على لابتوب عادي، أو حتى شريحة موبايل وفقاً لهم، وفي الحقيقة، إحدى الشبكات العصبية التي اختبروها كانت مُصمَّمة لتعمل على أجهزة آيفون".
يقول عضو (KIPAC) روجر بلاندفورد Roger Blandford والذي لم يكن مشاركاً في الدراسة: "طُبقت الشبكات العصبية على مسائل الفيزياء الفلكية في الماضي وأدت إلى نتائج متنوعة"، ويُضيف: "إلا أن الخوارزميات الحالية مجتمعةً مع وحدات معالجة الصور الحديثة (GPUs) قادت إلى إمكانية إعطاء نتائج سريعة جداً وموثوقة كما هو الحال مع العدسة الثقالية المُعالَجة في هذه الورقة العلمية، ولهذا هناك تفاؤل كبير بأنّ هذه الطريقة ستصبح نهجاً يُحتذَى في العديد من تطبيقات معالجة البيانات وتحليلها في الفيزياء الفلكية وحقول أخرى من العلم".
المصدر
التعليقات على الموضوع