نحن نُشارِك في تلويث أعمق خنادق المُحيطات !



ليس من العجيب العثور على مستويات عالية من المُلوثات التي من صنع الإنسان في مخلوقات (Hirondellea gigas) والتي تُشبه الروبيان ؛ تلك الكائنات تعيش في أعماق المحيط في خندق ماريانا؟!؛ حيث كشفت القياسات الأولى للمُلوثات العضوية في هذه المناطق بأن المواد الكيميائية السامة تتراكم في الكائنات البحرية في أعمق المُحيطات على الأرض.
 
ويقول ( ألان جاميسون-Alan Jamieson ) _ باحث في أعماق المحيطات في جامعة أبردين، المملكة المتحدة_ :<< نحن غالبًا نعتقد أنَّ الخنادق في أعماق البحار هي نائية ونقية، ولم يمسسها بشر من قبل >>، ولكن جاميسون وزملائه وجدوا مُستويات عالية من ملوثات عضوية من صُنع الإنسان في القشريات مثل الروبيان تُسمى بـ (مُزدوجات الأرجُل_ amphipods) والتي تم جمعها من خنادق أعمق المُحيطات؛ ولقد صرح بذلك في مؤتمر (استكشاف أعماق المحيطات) في شنغهاي يوم 8 يونيه/حزيران. وأضاف ( جيفري درازن_Jeffry Drazen ) _ المُتخصص في علم الأحياء البحرية في جامعة هاواي _ بأنه من المُدهش حقاً أن توجد المُلوثات بتركيزات عالية في أعماق المحيط .

و يُذكَر أن قبل هذا العمل – الذي لم يُنشر بعد – خرجت علينا أحدث الأبحاث التي تمت لاختبار مستويات المواد الكيميائية العضوية في مزدوجات الأرجل التي تم جمعها في عُمق 7000 _ 10000 متر، من خندق ماريانا في غرب المحيط الهادئ – أعمق خندق في العالم – ومن الخندق ( كرمادك _ Kermadec )  قُرب نيوزيلندا؛ علي الرغم من أنًّ دراسة المُلوثات فى الكائنات الحية في أعماق البحار قد اقتصرت على تلك التي تعيش في أعماق تبلغ 2000 متر .

وكجزء من برنامج بحثي لدراسة النظم الإيكولوجية في أعماق المحيطات، التي ترعاها المؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم؛ تم أَسْر المخلوقات خلال حملتين دوليتين في عام 2014 حيث أنزل الباحثون مركبة (لاندرز) في الخنادق .. وفي الأعماق المُلوثة، إحتوت مزدوجات الأرجل في كل الخنادق على مركبات

(ثنائي الفينيل متعدد الكلور PCBs-) التي تُستخدم في صناعة البلاستيك، وكعوامل مضادة لنمو الفطريات علي قوائم السُفن ، كما أنها إحتوت على أثير (ثنائي الفينيل متعدد البروم- PBDEs ) التي تُستخدم كمواد مقاومة للحريق » كلاً من المواد الكيميائية هي من صنع الإنسان وتنتمي إلى فئة من المركبات الكربونية التي تُسمى (الملوثات العضوية الثابتة _POPs) نظراً لصعوبة كسرها، وقد تم حظرها في كثير من البُلدان منذ أواخر 1970 خاصة إنتاج مركبات (ثنائي الفينيل متعدد الكلور –PCBs) لأنها من المواد المُسببة للسرطان، أما أثير (ثنائي الفينيل متعدد البروم -PBDEs ) ،فإن الدراسات الحيوانية تُشير إلى أنها قد تُخِل بتوازن الهرمونات، وتتداخل مع التطور العصبي، والآن فقط يتم التخلص التدريجي منها.

ووُجِد أن تركيزات (ثنائي الفينيل متعدد الكلور –PCBs) في مزدوجات الأرجل من خندق ماريانا مرتفعة بشكل خاص، وأكبر 15 مرة من تلك التي وجدت في خندق (كرمادك _ Kermadec) .. وأضاف جاميسون <<أنها أعلى مما كانت عليه في مصبات الأنهار في اثنين من أعلى الأنهار تلوثًا _في الصين _ نهري (اللؤلؤ ونهر لياو )، وعلى النقيض من ذلك؛ وجدت دراسة أنًّ خندق كرمادك يحتوي على أثير (ثنائي الفينيل متعدد البروم – PBDEs ) بتركيزات أكبر بخمس مرات من ماريانا، وعند مستوى أعلى مما كانت عليه في المياه الساحلية من الجزيرة الشمالية لنيوزيلندا.

من ناحيته قال (دوغلاس بارتليت – Douglas Bartlett) _ مُتخصص في علم الأحياء الدقيقة في أعماق البحار في معهد سكريبس لعلوم المحيطات في سان دييغو بكاليفورنيا _ «أن هذا الاكتشاف المذهل يرتبط بنا بصورة هائلة جدًا، وأن الخنادق ليست بعيدةعن كل شيء، والعالم مُتصل بشكل كُلي».

وأضاف جاميسون <<أن الفكرة تتضمن أنه عند تفريغ القمامة في البحر، سوف تغرق في نهاية المطاف، بينما عندما تنخفض المُلوثات في الخنادق، فإن لديها مكان آخر تذهب إليه، كي تُحافظ على استمرار البناء >>، وفي نهاية المطاف فإن الخنادق سوف تحتوي على مستويات أعلى من المُلوثات مما كانت عليه في مصبات الأنهار، حيث يتم مسح المواد الكيميائية حيث تخرج باستمرار إلى المياه المفتوحة.

ويشتبه الباحثون لوجود سببين ساهما في ارتفاع مستويات الكلور <<PCBs>> في خدق الماريانا ألًا وهما:
_ قُرب مصانع البلاستيك في آسيا من خندق ماريانا.
_ وكذلك على المدى الطويل قاعدة عسكرية أمريكية في جزيرة غوام.

كما أنَّ المياه فوق الخندق هي أيضا جزء من تلفيف شمال المحيط الهادئ، وهو نظام قوي من تيارات المحيطات والتي يمكن أن تسحب المواد الموجودة على السطح إلى الأعماق .. وأضاف جاميسون :" أن كلأً من خندقي ماريانا و كرمادك هي حوالي 11 كيلومترات عُمقاً. فيما يبدو أنها عميقة نوعًا ما, ولكنها ليست من حيث نقل الملوثا" .

يقول الباحثون أن المستويات العالية للملوثات العضوية الثابتة <<POP>> مدعاة للقلق، بينما يقول (درازن- Drazen ) «بأن الأخاديد في أعماق المحيطات هي _الموارد الطبيعية غير المُستغَلة – ويُحتمل أنًّ الكائنات الحية التى يمكن أن تكون ذات قيمة بالنسبة لمجموعة من التطبيقات التجارية, بما فى ذلك اكتشاف بعض الأدوية, ولكنها يُمكن أن تتأثر من المُلوثات».

ويعتقد العُلماء أن الخنادق في أعماق المحيطات يُمكن أيضاً أن تكون بالوعة للكربون المُهم؛ والذي يلعب دوراً رئيسياً في تنظيم المناخ ؛ وذلك لأنه يتم ضغط الكربون في أعماق باطن الأرض عند احتكاك الصفائح التكتونية ببعضها البعض، كما أنًّ الخنادق مليئة أيضاً بالميكروبات التي قد تحول المواد الكيميائية التي تحتوي على الكربون في النماذج التي لا يتم تحويلها بسهولة إلى ثاني أكسيد الكربون، وأضاف (بارتليت-Bartlett) «بأنه إذا تأثرت الأنشطة الميكروبية بطريقة أو بأخرى سلباً بسبب كل هذا التلوث، وكنت أتساءل ما الذي يفعله لدورة الكربون بشكل عام».

فهل يُمكن أن نتحمل مسؤولية تلك الكائنات التي تُشارِكنا هذا الكوكب، ونُحافظ لها علي وطنها نظيفاً كما نتمنى أن تكون اليابسة نظيفة لنا؟!

 المصدر

ليست هناك تعليقات