هل تسببت أزمة المناخ في انفصال الجبل الجليدي العملاق في القارة القطبية الجنوبية؟
بعيدًا عما يحدث في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، وما يملؤه من مشاكل وأزمات متنوعة؛ هناك أيضًا اضطرابات وأزمات ترسل إلينا من الجزء الجنوبي للكوكب لتنبهنا أنّ هناك أزمات أكبر لا يمكننا التحكم بها، وهي أزمة المناخ فمنذ عدة أيام وفي الفترة بين الـ 10 والـ 12 من الشهر الجاري تحديدًا انفصلت واحدة من أكبر الجبال الجليدية في العالم عن الجرف الجليدي «Larsen C» في القارة القطبية الجنوبية، وجذبت الاهتمام العالمي أجمع.
ظهرت صور هذا الانفصال بعد أن التقطه جهاز مقياس التصوير الطيفي المعتدل والمثبت على قمر «أكوا- Aqua» التابع لوكالة ناسا، كما تم تأكيد صورة هذا الانفصال من خلال مرصد الأشعة تحت الحمراء الراديومتري المثبت على القمر الصناعي المشترك بين وكالتي ناسا، والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
الجروف الجليدية هي عبارة عن منصّات عائمة من الجليد ترتبط باليابسة، وتشكل نسبة 75% من الغطاء الجليدي الذي يحيط بالقارة القطبية الجنوبية، ويتم التعرف على حالة الجروف الجليدية إذا كانت جيدة أم لا من خلال النظر إلى توازنها، فعندما تكون الجروف الجليدية في حالة توازن، فإنّ كمية الجليد الذي يضاف لها نتيجة تساقط الثلوج يساوي كمية الجليد الذي يُفقد نتيجة ذوبان الجليد.
تتزحزح أو تتحرك الصفائح الجليدية إمّا من خلال فقدان أو ذوبان جبل جليدي كبير، أو عن طريق تفكك جرف جليدي مثل: الجرف الجليدي «Larsen A» عام 1995، والجرف الجليدي «Larsen B» عام 2002.
الجرف الجليدي Larsen C
يقع الجرف الجليدي «Larsen C» الذي سُمي تيمنًا باسم المستكشف النرويجي «كارل أنطون لارسن – Carl Anton Larsen» على الساحل الشمالي الشرقي لشبه الجزيرة القطبية الجنوبية على طول بحر «ويديل – Weddell»، حيث يعد هذا الجرف رابع أكبر جرف جليدي يحيط بالقارة القطبية الجنوبية. يبلغ حجم الجرف نحو 5800 كيلومتر مربع من الجليد، وانخفضت مساحته نتيجة الانفصال بنسبة 12% تقريبًا من حجمه الفعلي له.
بدأ الفالق في الجرف بالظهور منذ عقود ماضية، وظل ينتشر فيه ببطء حتى العام 2014 حين بدأ بالانتشار فجأة متجهًا شمالًا إلى أن انفصل الجبل الجليدي الحالي عنه، ورصدته أجهزة القياس المختلفة لأول مرة من قبل مشروع يدعى «ميداس – Midas» في المملكة المتحدة، وهو مشروع بحثي يدرس ما يدور في القارة القطبية الجنوبية، وما يدور بها من تطورات طبيعية.
الجدير بالذكر أنّ أول صور التقطت للجرف الجليدي «Larsen C» كانت صورًا جوية عام 1960، وصورة أخرى التقطها قمر صناعي أمريكي عام 1963. يمكن التعرف على هذا الفالق، والذي أنتج جبل الجليد الجديد من خلال الصور، بجانب اثني عشر من الكسور -صدوع- الأخرى.
ظل الصدع خاملًا لعقود من الزمن، حيث ظل عالقًا في جزء من الجرف الجليدي يسمى منطقة الالتحام، وهي منطقة تتجمع فيها الأنهار الجليدية التي تتدفق إلى الجرف الجليدي. هذه المناطق معقدة وغير متجانسة مع بقية الجرف الجليدي، والتي تحتوي على الجليد بخصائص مختلفة، وقوة ميكانيكية تلعب دورًا هامًا في التحكم في المعدل الذي تنتشر به هذه الصدوع.
«دان ماكغراث – Dan McGrath» عالم مختص بدراسة الجليد في جامعة ولاية كولورادو، والذي كان يدرس الجرف الجليدي منذ عام 2008 يقول تعليقًا على ذلك:
“من المعروف أنّ شبه القارة القطبية الجنوبية تعتبر واحدةً من أسرع المناطق احترارًا في الكرة الأرضية، حيث ظلت درجة الحرارة ترتفع فيها طوال النصف الأخير من القرن العشرين. أدى هذا الاحترار إلى تغيرات بيئية عميقة؛ أبرزها هو انهيار الجرفين الجليدين «Larsen A – Larsen B»، أمّا الجرف الأخير الذي انفصل عن القارة، فهناك تأكيد على وجود آليات يمكن من خلالها ربط هذا الانفصال بتغير المناخ، خصوصًا أنّ مياه المحيطات الدافئة تتغذى على قاعدة الجرف. وفي الوقت الذي أخذ فيه الصدع بالازدياد. كان لدى العلماء صعوبة في التنبؤ متى سينهار الجبل الجليدي الجديد. فمن الصعب تحديد ذلك حيث لا توجد قياسات كافية متاحة على أي من القوى التي تعمل على الصدع، أو تكوين الجرف الجليدي، وقد تلعب عوامل خارجية أخرى دورًا هامًا في نمو الصدع مثل: درجات الحرارة، والرياح، والأمواج، وتيارات المحيطات.
أمّا عن الجانب الإيجابي لما حدث في القارة الجنوبية فيقول ماكغراث: “إنّ هذا الانفصال يوفر فرصةً هامةً للباحثين للقيام بدراسة الجروف الجليدية بطريقة أكثر دقة، وكيف يتم كسرها، وما العوامل التي تتسبب في ذلك.
أمّا عن درجات الحرارة في القارة القطبية الجنوبية، فقد ارتفع متوسط درجات حرارة المحيطات هناك منذ التسعينيات، خاصةً في شبه الجزيرة التي يقع فيها الجرف «Larsen C»، وفي عام 2015 ذكر العلماء أنّ الجرف فقد نحو أربعة أمتار من الجليد، والتي لا يمكن أن تكون درجة حرارة المنطقة هي السبب الرئيسي.
تأثر مستوى سطح البحر
يسمى الحد الفاصل بين الجرف الجليدي العائم، وبين الجليد المحيط به الذي يغذيه باسم خط «الأساس الجليدي»، فعندما يتغير محل خط الأساس الجليدي إلى الداخل، فإنّ المياه تتدفق إلى المحيط، ويرتفع منسوب البحر.
يتدفق الجرف الجليدي بفعل الجاذبية، وينتشر أفقيًا على سطح المحيط، ويحرك الجليد باستمرار من خط الأساس الجليدي باتجاه البحر مقابلة لجهة الجرف، كما تدعى عملية فقدان كمية هائلة من الجرف الجليدي بـ «الانهيار الجليدي». يمتد الجرف الجليدي في المحيط لعدة سنين وأحيانًا عقود بين كل عملية انهيار جليدي وأخرى.
وفقًا للمركز الوطني الأمريكي للثلج والجليد (NSICD)، فالجروف الجليدية هي منصّات تطفو فعليًا على سطح المحيطات. لذا، فإنّ انهيارها لا يؤثر بشكل مباشر على مستوى سطح البحر. لكن بمجرد أن يضعف الجرف الجليدي أو ينفصل تمامًا، فإنّه لم يعد بإمكانه أن يعيق تحرك الأنهار الجليدية نحو البحر، ولهذا يمكن أن يزيد بشكل كبير من كمية الجليد والماء الذي يتدفق مباشرةً في المحيط؛ بالتالي ارتفاع نسبة مياه البحار.
أخيرًا لو أنّ العالم يستطيع إعطاء الكوكب حقه من الاهتمام والرعاية مثلما يفعل مع كافة القضايا؛ لربما كان اليوم في حالٍ أفضل مناخيًا، فكوكب الأرض ترتفع درجات حرارته باستمرار، والذي يؤثر بشكلٍ سلبي على البشر والجماد معًا، وصولًا لعوالم بعيدة مثل القارة القطبية الجنوبية!
وهنا نطرح سؤالًا: هل تعتقد أيّها القارئ أنّ أزمةَ المناخِ قضيةٌ عالميةٌ تستدعي جُلّ اهتمامنا، أم أنّها قضيةٌ مصيرها مرهون بأيدي المختصين في المناخ فحسب؟
التعليقات على الموضوع